الثور الشّهيد

      العم علي فلاح نشيط.له ثور مدلل يحبه و يعطف عليه.كان الثور أبيض أقرن قويا.و قد ظل نشيطا .و ما فتى العم علي يعطيه ما لذ و طاب من العلف و ما انفكّ صاحبه يسقيه الماء الصافي المستخرج من البئر العميقة.كان الثور سعيدا برؤية صاحبه صباحا يأخذه معه لحرث الأرض بمحراثه الخشبي العتيق أو استخراج الماء بالدلو من أعماق البئر .لقد كان الثور محبّا للعمل .و كان العم علي مثالا لحسن العناية. تولدت بينهما الثقة لطول العشرة . وصار الثور يفهم سيّده فكان يقوم بأعماله اليوميّة تلقائيّا. ولم يعد العم علي ينهره أو يستعمل معه العصا و السّوط . مرّت سنوات و بدأ الثور يضعف و يهزل . فاقترح أولاد العم علي على أبيهم بيعه و شراء بقرة حلوب تعطيهم لبنا للشّرب و البيع و عجولا للتسمين.لكنه أبى التفريط في صديقه.فقالوا:"إنّ أبانا لا يعرف مصلحته... ليته يفهم أنه ثور يستهلك و لا ينتج ..." وألحوا عليه في الطلب فغضب وقال لهم:"أنتم لا تفهمون معنى العشرة...كيف يهون عليكم أن أفرط في الثور الذي خدم أرضنا ألا تعلمون أنّني بفضلها درستكم وكوّنت ثروتي التي ترون.ليتني تركتكم جاهلين.."
   رجع العم علي إلى الحقل غاضبا.و فكّ حبل الثور من عنقه و تركه يجول في الفضاء الممتدّ حرا طليقا ليرى ما يفعل. غير أن الثور الأليف اتبع خطى صديقه و لازمه ملازمة الظل و ظل ينظر الى السيد علي يركّز محرّك ضخّ الماء الجديد قرب البئر. كان يعمل وحيدا....  و حبن استدار في المسافة الضيقة الموجودة بين المحرك و حافة البئر عثرت رجله في الدلو القديم المتروك قرب البئر.فسقط في الماء البارد على مرأى من الثور و ظل يتخبط و يستغيث و ينازع الغرق.
   فهِم الثّور الوفيّ أنّ سيّده في خطر محدق و أنه يجب أن يفعل شيئا لإنقاذه قبل فوات الأوان.فراح يدفع الدلو الجلدي بقرنيه العجوزين في حدّة و إصرار.لكنّ حافة البئر المرتفعة عن الأرض حالت دونه و دون السّقوط في البئر.فعالجه ثانية  لعله يجد حلا.و أعياه الأمر.و تعب الثور الهزيل من الدفع دون فائدة. فأدخل أحد قرنيه في عروة الحبل الذي يشدّ الدّلو.و رفعه إلى الأعلى.لكنه لم يغادر قرنه.و بقي ملتصقا به أشد الالتصاق. فعالج الحركة ثانية إلى أن زال عن قرنه و نزل في البئر و ارتطم بسطح الماء و امتلأ و غاص في أغوار البئر.فأمسك الثور طرف الحبل المرتبط بالدّلو بفمه.فلم يقدر على رفعه.. و فهم أن عليه أن يدخل رقبته في النير كما كان يفعل و هو شاب قويّ لاستخراج الماء من البئر.و حاول أن يدخل رأسه مرّات و يكرر محاولاته.و كان في كل مرة يعجز عن الوصول إلى بغيته فيكرر المحاولة دون ملل أو يأس إلى أن أدرك بغيته و راح يجذب الدّلو الثّقيل الذي تمسّك به العم علي بصعوبة... لقد أثرت فيه السنون و شاخ . لكنه يريد أن يثبت أنه مازال قادرا على فعل شيء ما و راح يجذب بكل قوّته و يبتعد عن البئر و الدلو يصعد في عسر و العم علي متمسك به تمسكا شديدا و نصفه في الماء وقد ابتل و صقع . و بدأ يعطس و يسعل ... كان الثور يسمع سيّده و هو يعطس و يسعل يقترب شيئا فشيئا من حافّة البئر و البكرة تئز  وتصدر صريرا حزينا . و عندما التفت الثور و رأى رأس سيده يطل من البئر ,فرح وراح يخور بصوت عال ...و لم ينفك يفعل ذلك. فانزعج أولاد العم علي و خرجوا لتأديب الثّور المزعج. فصادفوا أباهم معلقا في الدلو يصيح ويستغيث.فأنقذوه.و أخذوه إلى البيت ليتدفأ و يغير ملابسه .و تركوا الثور المسكين و لم يلتفت إليه  أيّ واحد منهم.و حين استرجع العم علي أنفاسه . سأل عن ثوره العزيز الذي أنقذه من الموت بذكائه و عزيمته و إصراره و أمرهم بأن يرجعوه إلى مربطه و أن يعطوه علفا و ماءا. عندما عاد الأولاد إلى الثور وجدوه مستلقيا على جنبه . تقدموا نحوه فلم يتحرك.لمسه أحدهم,. فالتفت إلى إخوته  و هو يقول في حزن لقد بذل المسكين أخر ما بقي لديه من جهد في سبيل أبيهم.
يا له من ثور شهيد...!

 محمد الهادي الكعبوري .منزل جميل

قصص أخرى
أحمد
خضراء الدّمن
الحذاء الأحمر
يحيا الملك ...يعيش الملك
جنازة الطّفل الذي مات
المطارد
الطّرد
قصص للأطفال
الحمار هي هان
القط بش بش
الثّور الشّهيد
من أنا؟
تعريف
قصصي
أشعاري
مسرحياتي
تحقيق
ترجمة
دراسات
مواقع

الصفحة السابقة

طبع الصفحة

الصفحة الرئيسية | صور | غابة الرمال | الفضاء | التاريخ | من أنا؟ | عائلتي | عائلات منزل جميل | المعالم الدينية | أمثال و أقوال | المنظمات و الجمعيات | المؤمسسات | الثقافة و الفنون | ناس مروا | المتحف | راسلونا

Copyright 2012©2014 leplacartuel.com