1*مراحل تشريع صيام شهر رمضان:
    يظنّ أغلب الناس أنّ صيام شهر رمضان قد جاء مرة واحدة على الكيفية التي نصوم بها الشهر الكريم . و هذا لا يطابق الواقع التشريعي في شيء.إذ أنّ صيام هذا الشهر على الطريقة التي نصومه بها جاء متأخّرا نوعا ما.فما هي المراحل التي مرّ بها تشريع الصيام ؟ للإجابة على هذا السؤال سنعتمد على حديث هو المصدر الأول في هذه المسألة إذ أن راويه هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل(ت 18 هـ ). و قد اعترضني أثناء بحثي عن تاريخ الصلاة في الإسلام في في كتاب التفسير المأثور عن عمر بن الخطاب حين تناول بالتّفسير آيات الصيام من سورة البقرة . و حسب هذا الحديث فإن تشريع الصوم ــ أعني صوم شهر رمضان ــ مر بمراحل ثلاث:
*المرحلة الأولى: كانت قبل السنة الثانية للهجرة(2 هـ):
 و في هذه المرحلة دأب الرسول و من معه على صيام يوم عاشوراء مجاراة للعادة ذلك أن الجاهليين كانوا يصومونه تشبها باليهود باعتبار أن المسلمين أولى بموسى لأنهم يؤمنون به نبيا مرسلا.و إلى جانب ذلك كان الرسول صلى الله عليه و سلم و من اتبعوه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يصومون الأيام البيض من كل شهر قمري و هي أيام 13 و 14 و 15و فيها يكتمل لقمر بدرا منيرا.. و أمّا
* المرحلة الثانية: فترتبط بالسنة الثانية للهجرة(2هـ)
 فقد فرض الله في ذلك الوقت الصيام على المسلمين و أنزل قوله تعالى "يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم .لعلكم تتّقون . أيّاما معدودات.فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر.و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين.فمن تطوّع خيرا فهو خير له .و أن تصوموا خير لكم .إن كنتم لا تعلمون" فكان من شاء صام و من شاء أطعم مسكينا .فأجزاه ذلك عنه.ثمّ إنّ الله أنزل الآية الأخرى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للنّاس و بيّنات من الهدى و الفرقان. فمن شهد منكم الشهر فليصمه"فأثبت الله صيامه على المقيم الصّحيح و رخّص فيه للمريض و المسافر و ثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصّيام فهذان حولان. وفي هذه المرحلة الثانية كانوا يأكلون و يشربون و يأتون النّساء ما لم يناموا .فإذا ناموا امتنعوا و علّقوا الصّيام إلى أذان مغرب اليوم التالي .و أما
*المرحلة الثالثة: فهي المرحلة التي استمرت إلى يوم الناس هذا.
 و قد دعت إليها دواع أفضت بنا إليها . و ذلك لأنه جدّت حوادث ذكر الحديث المعتمد منها حادثتين و قد وقعت الحادثة الأولى مع رجل من الأنصار يقال له صرمة ،كان يعمل صائما حتّى إذا أمسى جاء إلى أهله.فصلّى العشاء ثمّ نام فلم يأكل و لم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما .فرآه النبي(ص) و قد جهد جهدا شديدا .فقال :ما لي أرك قد جهدت جهدا شديدا؟ قال :يا رسول الله ،إنّي عملت أمس فجئت حين جئت .فألقيت نفسي فنمت.فأصبحت صائما.و أمّا الحادثة الثّانية فوقعت مع عمر بن الخطّاب . و يذكر فيها أنه أصاب النّساء بعد أن نام .فأتى النّبيء(ص) فذكر له ذلك .فأنزل الله"أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباس لكم و أنتم لباس لهنّ .علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم . و عفا عنكم .فالآن باشروهنّ .و ابتغوا ما كتب الله لكم . و كلوا و اشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل".و بذلك تمّ تقنين الصّيام فــ: - أصبح شهر رمضان الذي كانت العرب تكرهه لأنّه شهر الحرّ و دفع الضرائب يصام كلّه بعد أن كان الصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر قمري إضافة إلى يوم عاشوراء. - و أصبح الصيام من الفجر إلى أذان المغرب بعد أن كان الصّيام يمتدّ من وقت نوم الشخص إلى مغرب يوم الغد. - و صار يسمح للشخص أن يأكل و يشرب و يواقع النّساء حتّى الفجر بعد أن كان ذلك ممنوعا إلى درجة أنّهم كانوا يتجنّبون نساءهم طيلة شهر رمضان. - عوّض دفع الفدية للمساكين من قبل الأصحّاء الذين كانوا لا يرغبون في الصّيام فأصبح خاصا بالمرضى و العاجزين لا الأصحاء و القادرين. - في المرحلة الأولى المنسوخة بقي الصّيام مرتبطا بالقمر مكتملا وظاهرا للعيان.و لكنّه في المرحلتين المواليتين أصبح مرتبطا بالشّمس لأنّ وقته صار من الفجر(وقت بداية تأثير الشمس في الكون حين يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) إلى غياب الشمس(الليل). - أمّا صيام التّطوّع فهو مباح في غير شهر رمضان مستحيل أثناءه و من ذلك صوم عاشوراء و الليالي البيض و الاثنين و الخميس و غيرها... و في نهاية هذا المبحث لا بدّ من التنبيه إلى وجوب إعادة النّظر في تشريعاتنا التي تهمّ العبادات لأنّ الكثير ممّن يجهلون النّاسخ و المنسوخ يقرؤون في الكتب ما دبّ و ما هبّ من المعلومات فيصبح المنسوخ واجبا ملزما ما دام موجودا في كتاب من الكتب التي جمعت السّنّة و التّراث الدّينيّ ممّا ينقصه مزيد التّمحيص و النّظر لأنّ هذه الكتب اجتهد أصحابها قدر الطاقة و الإمكان في جمع ذلك التّراث المفرّق و تبويبه و نقده و تخريج رجاله ما وسعهم الجهد و العمر و كذلك لا بدّ من إعادة تبويد هذه الآثار كرونولوجيّا حتّى يتسنّى فهم التّطوّر و فلسفة التّغيير التي جاء بها محمد صلّى الله عليه و سلّم و التي هي حسب رأيي أساس السنّة النبوية و مرتكز الدّين الإسلامي . و لا أدّعي إلى حدّ الآن أنّني من الممحّصين لأنّ ذلك يتطلّب مجهودا جماعيّا جبّارا و تعدّدا في الاختصاصات و خبرة عميقة بمجالات مختلفة منها اللغة و التّاريخ و الفقه و سير الرّجال و غير ذلك من المعارف.و عسى العمر يسعفنا لنضيف في هذا الاتجاه بعض ما يمكن إضافته . و الله أعلم.
  Partager
انظر أيضا
دراسات و أفكار
 موضع غابة الرمال في التراث
المدينة و تراثها في الشعر العربي
تاريخ الصيام
الصيام و الحرمان 
موقف من الحجاب
ضرب المرأة
الأنثى في ديوان "قصائد من تحت الأنقاض" للشاعر نجيب بن علي
شاب أحرق بلدا
الثورة التونسية
تقبّل موت حاكم قرطاج
الآن توضحت الصورة

بين حرّيّة التّعبير و قداسة الذّات الإلهيّة

هل الثورة حاالة مؤبّدة؟
النّقاب أو العري
تجديد فهم الإسلام
لماذا لا تكون الشرائع مقدّسة إلاّ بوجود الأنبياء و الرّسل؟
هل النّساء وحدهنّ ناقصات عقل و دين؟
في المعنى اللّغويّ للخلافة
من أنا؟
تعريف
قصصي
أشعاري
مسرحياتي
تحقيق
ترجمة
دراسات
مواقع

الصفحة السابقة

طبع الصفحة

الصفحة الرئيسية | صور | غابة الرمال | الفضاء | التاريخ | من أنا؟ | عائلتي | عائلات منزل جميل | المعالم الدينية | أمثال و أقوال | المنظمات و الجمعيات | المؤسسات | الثقافة و الفنون | ناس مروا | المتحف | راسلونا

Copyright 2012©2015 leplacartuel.com